سورة الناس - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الناس)


        


{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)}
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الناس * مَلِكِ الناس * إله الناس} فيه مسائل:
المسألة الأولى: قرئ: {قُلْ أَعُوذُ} بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام ونظيره: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطير} [البقرة: 260] وأيضاً أجمع القراء على ترك الإمالة في الناس، وروي عن الكسائي الإمالة في الناس إذا كان في موضع الخفض.
المسألة الثانية: أنه تعالى رب جميع المحدثات، ولكنه هاهنا ذكر أنه رب الناس على التخصيص وذلك لوجوه:
أحدها: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهو إلهم ومعبودهم كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم.
وثانيها: أن أشرف المخلوقات في العالم هم الناس.
وثالثها: أن المأمور بالاستعاذة هو الإنسان، فإذا قرأ الإنسان هذه صار كأنه يقول: يا رب يا ملكي يا إلهي.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: {مَلِكِ الناس * إله الناس} هما عطف بيان كقوله: سيرة أبي حفص عمر الفاروق، فوصف أولاً بأنه رب الناس ثم الرب قد يكون ملكاً وقد لا يكون، كما يقال: رب الدار ورب المتاع قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أَرْبَاباً مّن دُونِ الله} [التوبة: 31] فلا جرم بينه بقوله: {مَلِكِ الناس} ثم الملك قد يكون إلهاً وقد لا يكون فلا جرم بينه بقوله: {إله الناس} لأن الإله خاص به وهو سبحانه لا يشركه فيه غيره وأيضاً بدأ بذكر الرب وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه، وهو من أوائل نعمه إلى أن رباه وأعطاه العقل فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك وهو ملكه، فثنى بذكر الملك، ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه، وعرف أن معبوده مستحق لتلك العبادة عرف أنه إله، فلهذا ختم به، وأيضاً أول ما يعرف العبد من ربه كونه مطيعاً لما عنده من النعم الظاهرة والباطنة، وهذا هو الرب، ثم لا يزال يتنقل من معرفة هذه الصفات إلى معرفة جلالته واستغنائه عن الخلق، فحينئذ يحصل العلم بكونه ملكاً، لأن الملك هو الذي يفتقر إليه غيره ويكون هو غنياً عن غيره، ثم إذا عرفه العبد كذلك عرف أنه في الجلالة والكبرياء فوق وصف الواصفين وأنه هو الذي ولهت العقول في عزته وعظمته، فحينئذ يعرفه إلهاً.
المسألة الرابعة: السبب في تكرير لفظ الناس أنه إنما تكررت هذه الصفات، لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار، ولأن هذا التكرير يقتضي مزيد شرف الناس، لأنه سبحانه كأنه عرف ذاته بكونه رباً للناس، ملكاً للناس، إلهاً للناس. ولولا أن الناس أشر مخلوقاته وإلا لما ختم كتابه بتعريف ذاته بكونه رباً وملكاً وإلهاً لهم.
المسألة الخامسة: لا يجوز هاهنا مالك الناس ويجوز: {مالك يَوْمِ الدين} في سورة الفاتحة، والفرق أن قوله: {رَبّ الناس} أفاد كونه مالكاً لهم فلابد وأن يكون المذكور عقيبه هذا الملك ليفيد أنه مالك ومع كونه مالكاً فهو ملك، فإن قيل: أليس قال في سورة الفاتحة: {رَبّ العالمين} ثم قال: {مالك يَوْمِ الدين} فليزم وقوع التكرار هناك؟ قلنا اللفظ دل على أنه رب العالمين، وهي الأشياء الموجودة في الحال، وعلى أنه مالك ليوم الدين أي قادر عليه فهناك الرب مضاف إلى شيء والمالك إلى شيء آخر فلم يلزم التكرير، وأما هاهنا لو ذكر المالك لكان الرب والمالك مضافين إلى شيء واحد، فيلزم منه التكرير فظهر الفرق، وأيضاً فجواز القراءات يتبع النزول لا القياس، وقد قرئ مالك لكن في الشواذ.


{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)}
قوله تعالى: {مِن شَرّ الوسواس الخناس} الوسواس اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال والمراد به الشيطان سمي بالمصدر، كأنه وسوسة في نفسه لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه، نظيره قوله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح} [هود: 46] والمراد ذو الوسواس وتحقيق الكلام في الوسوسة قد تقدم في قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} [الأعراف: 20] وأما الخناس فهو الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والنفاثات، عن سعيد بن جبير إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، فإذا غفل وسوس إليه.


{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)}
قوله تعالى: {الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس}.
اعلم أن قوله: {الذى يُوَسْوِسُ} يجوز في محله الحركات الثلاث فالجر على الصفة والرفع والنصب على الشتم، ويحسن أن يقف القارئ على الخناس ويبتدئ الذي يوسوس، على أحد هذين الوجهين.

1 | 2